• الحركة الأمازيغية: تدخل محدود في حركة 20 فبراير

     

    الثورة ليست عيدا للكادحين فقط، بل أملهم الكبير في تحسين وضعهم. أمل القطاعات التي تتعرض لأشد أشكال الاضطهاد للتخلص من وضع الاحتقار وامتهان الكرامةالحركة الأمازيغية: تدخل محدود في حركة 20 فبراير.

    وتعتبر النساء والقوميات المضطهدة أهم هذه القطاعات التي تلعب الثورة في حقهم دورا تحريريا من وضع الاضطهاد، بقدر مشاركتها في صنع أحداث الثورة وإسهامها في انتصارها. ويعتبر تحرر أمازيغ غرب ليبيا وتجنيس أكراد سوريا، مثالا ساطعا على أن الثورات التي تقوم بها الشعوب، تشطب بضربة واحدة كل الزبل الرجعي المتراكم منذ عقود.

    في المغرب الذي رفض فيه الاستبداد حتى سماع مطلب اسمه "دسترة اللغة الأمازيغية"، كانت تظاهرات شباب حركة 20 فبراير كافية لدفع النظام إلى تضمين دسترة الهوية الأمازيغية في خطاب 09 مارس، وترسيمها في الدستور المرقع.

    لم تنفع عقود من الاستجداء الليبرالي الذي تفننت فيه "الحركة الأمازيغية"، في دفع الاستبداد إلى الاستجابة لمطلب الحركة بدسترة الأمازيغية وضمان الحماية القانونية لها، وإن في دستور ممنوح لم يقطع مع الاستبداد. الخوف من الثورة فقط هو الذي دفع الحاكمين لذلك، وإن لم يكن ذلك استجابة لمطلب تاريخي لأقسام واسعة من "الحركة الأمازيغية": ترسيم الأمازيغية في دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا.

    دور نضال حركة 20 فبراير في دفع الاستبداد لترسيم اللغة الأمازيغية لا غبار عليه. لكن ما يثير النقاش هو محدودية إسهام الحركة الأمازيغية في نضال حركة 20 فبراير. وهذه المحدودية تفسر من وجهة نظرنا بسمات "الحركة الأمازيغية" بحد ذاتها ومحيطها السياسي.

    كابح اسمه المعهد الملكي للأمازيغية

    بعد تأسيس المعهد الملكي للأمازيغية، عرفت "الحركة الأمازيغية" طورا من التشتت والجمود وكثرة المبادرات الفوقية المعزولة عن نضال الجماهير (تأسيس أحزاب، تقديم أرضيات وأرضيات مضادة..). ساهم في ذلك إلى حد كبير الآمال الوهمية المعقودة على عمل نخبة الحركة داخل المعهد.

    خلقت هذه الآمال انتظارية وسلبية قاتلتين في أوساط العديد من الإطارات، وكذلك ضعف الرافضين للمعهد الملكي، الذين استمر بعضهم في نفس خط الاستجداء وعدم قدرة البعض الآخر على التقدم ببدائل ملموسة تستطيع حفز نضال الشبيبة الطلابية بالخصوص، التي انعزلت داخل الجامعة متأثرة بالمناخ السياسي المريض (العصبوية، الاقتتال الفصائلي..) الذي ورثته الحركة الطلابية عن عقود من الانعزال عن النضال الجماهيري.

    كلما ابتعدنا عن لحظة تأسيس المعهد، كلما زاد التشظي التنظيمي للحركة، وهو نفسه نتيجة لافتقاد منظور واضح للنضال من أجل الحقوق اللغوية والثقافية، واستبداله بالاستجداء وانتظار انصياع الحاكمين. إضافة إلى نمو النزعات الوصولية لدى مناضلي الحركة التي حفزها انفتاح مؤسسات الدولة أمامهم (المعهد الملكي، القناة الأمازيغية، التدريس..). ساهم كل هذا في ضعف مساهمة "الحركة الأمازيغية" في نضال حركة 20 فبراير وهو ما سيكون له تأثيرات سلبية، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار العداء الذي يكنه العديد من التيارات السياسية المساهمة في حراك 20 فبراير للحركة الأمازيغية ومطالبها؛ (العدل والإحسان، حزب الطليعة، التيارات المتحدرة من تجربة الطلبة القاعديين)، وقد ظهر ذلك في التحفظ على رفع الأعلام الأمازيغية والشعارات باللغة الأمازيغة (باستثناء الريف).

    غياب تقاليد النضال الجماهيري

    ينضاف إلى لائحة الأسباب، أن "الحركة الأمازيغية"، لم تخبر تقاليد النضال الجماهيري التي فتحت حركة 20 فبراير بابها على مصراعيه أمام الجماهير.

    أفنت الحركة عقودا من عمرها في عمل ثقافي وأكاديمي (ثمين بقدر ما كان عملا علميا) ، كان له دور كبير في إضفاء المشروعية على المطلب الأمازيغي ومراكمة الكوادر في ظل مناخ سياسي غير ملائم متسم بقمع الدولة وعداء التيارات القومية العربية (إسلامييها وعلمانييها).

    "قيادة" الحركة المتأثرة بخيار "النضال المشروع" والسعي لدخول المؤسسات في ظل هجوم أيديولوجي عالمي يؤكد على "موت الإيديولوجيات ونهاية صراع الطبقات" إثر انهيار المعسكر الشرقي، دفع الحركة على الاقتصار على بعث المذكرات المطلبية والاستجداء (على غرار ما قامت به الكتلة الليبرالية في إطار النضال من أجل تعديل الدستور بداية التسعينات). متغاضية بذلك عن النضالات الجارية وعازلة المطلب الأمازيغي عن المطالب الديمقراطية الأخرى ،الاجتماعية والاقتصادية.

    التظاهرات الدورية، التعبئة في الشوارع، نقل النضال إلى الأحياء الشعبية، مواجهة جهاز الدولة بدل استجدائه؛ طرائق نضال لم تخبرها الحركة بل رفضتها مؤكدة على النضال وفق "القوانين الجاري بها العمل. كل ذلك حد من إسهام "الحركة الأمازيغية" في نضال حركة 20 فبراير.

    نخبوية الحركة

    ساهم السببان السابقان في ترسيخ سمة أساسية طبعت "الحركة الأمازيغية" طيلة العقود الأربعة من تواجدها، حيث لم تستطع، أو بالأحرى لم تسعى للانغراس وسط قطاعات شعبية غير قطاعات المثقفين التي كونتها منذ انطلاقتها (طلبة، محامون، جامعيون..).

    لم تتحول بعد الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية إلى قضية "شعب"، أو بالأحرى إلى قضية جماهير تناضل ضد كل أوجه الاضطهاد والاستغلال. وذلك نتيجة خط يسعى إلى جعلها "قضية وطنية" أي قضية نخبة سياسية (جولات من الحوارات مع الأحزاب السياسية ومراسلة الفرق البرلمانية لتضمين المطلب الأمازيغي في برامجها)، وقضية توافق مع المكلية. وليس نقطة برنامجية في إطار النضال العام ضد الاستبداد السياسي والنضال الاجتماعي. ليس غريبا إذن أن يكون تدخل "الحركة الأمازيغية" محدودا في حركة 20 فبراير، التي اندرج مطلبها بالاعتراف القانوني بالأمازيغية، في إطار ملف مطلبي عام يضم إضافة إلى ذلك مطالب ديمقراطية جذرية ومطالب اجتماعية واقتصادية. وليس هذا اختراعا ليسراويين متطرفين يريدون استغلال نضال الشعب الأمازيغي كما يرد في نقاشات الفايسبوك، فقد سبقَنا إلى ذلك القبايليون بالجزائر منذ انتفاضة الربيع الأمازيغي الثانية في 2001، حيث ورد المطلب الثقافي واللغوي في إطار برنامج عام شمل مطالب ديمقراطية واجتماعية واقتصادية لخصتها "أرضية القصور".

    عدم تأثر متبادل

    كما أن الحركة الأمازيغية لم يكن لها تأثير يذكر في نضال حركة 20 فبراير، فهذه الأخيرة التي حفزت نضال قطاعات منسية في المجتمع، لم تستطع أن تعالج أي من السمات الثلاث المذكورة أعلاه.

    رغم أن الواقع هو أقوى دليل.. رغم أن الثورة هي التي حررت أمازيغ غرب ليبيا ورغم أن الخوف من الثورة هو الذي دفع الاستبداد المغربي إلى دسترة الأمازيغية لغة رسمية في الدستور الممنوح. إلا أن "الحركة الأمازيغية" لا زالت تعيد إنتاج نفس أساليب ومنظورات النضال التي دفنتها السيرورة الثورية الجارية بالمنطقة.

    نخبة المعهد خرجت بنداء "تيموزغا من أجل المواطنة"، نداء يفيض بالخوف من وعلى الاستبداد ويصر على الاستمرار في نهج الاستجداء... آخر مؤتمر للشبكة الأمازيغية (التي سبق ومثلت أمام لجنة المنوني) تجاوز حتى نخبة المعهد في هذا النهج وأصر على طرق سبل "العمل التنموي" و"الدخول في شراكات مع كل مؤسسات الدولة" في إطار ما أطلق عليه "ديمقراطية تشاركية"... ظهور طرف ثالث يدعي توحيد الكونغريس العالمي الأمازيغي بتونس بمبادرة من حسن إد بلقاسم... الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة منغمسة حتى أذنيها في اقتتال فصائلي مع مستحثات الستالينية المعروفة باسم البرنامج المرحلي. كل هذا مع استمرار خطاب شوفيني لا زال يؤكد العداء للعرب (نقاشات بالفايسبوك، وجريدة تاويزا..).

    لا غنى عن النضال الجماهيري

    إن مثال أمازيغ ليبيا وأكراد سوريا هو ما يجب أن نستحضره دائما في نقاشنا حول النضال من أجل "القضية الأمازيغية". الانخراط في النضال العام ضد الاستبداد والإسهام فيه فعليا وليس بالأقوال والكتابات فقط، ولكن أيضا بالتخلص من الأمراض السياسية لما قبل الثورات الجارية بالمنطقة هو الكفيل بتحقيق مطالب الحركة.

    إن التخوف الذي يبديه مناضلو الحركة من إمكان استغلال نضال الأمازيغ والالتفاف حول مطالبهم فيما بعد، تخوف مشروع وهو مبني على وقائع تاريخية وليس على تكهنات فقط (نضال الحركة الوطنية بالمغرب، ما آل إليه وضع الأقليات في الشرق الأوسط بعد بناء الدول القومية ما بعد الانتداب، ما يروج حاليا في ليبيا من أن أطرافا داخل المجلس الانتقالي يريدون الالتفاف حول حقوق أمازيغ غرب ليبيا). هذا التخوف وارد بالمغرب، حيث تنعدم تقاليد التعايش "اللغوي والمناطقي" بعد عقود من التهميش والاحتقار وبث العداوة بين مختلف مكونات الشعب المغربي، التي سنها اللاستبداد في إطار سياسة فرق تسد.

    إن الرد على التخوف ليس بالانزواء بل بالمزيد من الانخراط الفعال في حركة 20 فبراير والنضال العام التي تخوضه الآن الجماهير الكادحة ضد الاستبداد السياسي الذي يخدم نظام التبعية الاقتصادية والاستغلال الطبقي.

    جريدة المناضلة

    أزنزار

    Partager via Gmail Yahoo!

    Tags Tags : , , , ,
  • Commentaires

    Aucun commentaire pour le moment

    Suivre le flux RSS des commentaires


    Ajouter un commentaire

    Nom / Pseudo :

    E-mail (facultatif) :

    Site Web (facultatif) :

    Commentaire :